فصل: الثاني: الإيمان بربوبيته

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين **


معنى شهادة ‏"‏أن محمدًا رسول الله‏"‏ هو الإقرار باللسان والإيمان بالقلب بأن محمد بن عبد الله القرشي الهاشمي رسول الله - عز وجل - إلى جميع الخلق من الجن والإنس كما قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ‏}‏ ‏[‏سورة الذاريات، الآية‏:‏ 56‏]‏ ولا عبادة لله تعالى إلا عن طريق الوحي الذي جاء به محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا‏}‏ ‏[‏سورة الفرقان، الآية‏:‏ 1‏]‏‏.‏

ومقتضى هذه الشهادة أن تصدق رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيما أخبر، وأن تمتثل أمره فيما أمر، وأن تجتنب ما عنه نهى وزجر، وأن لا تعبد الله إلا بما شرع، ومقتضى هذه الشهادة أن تصدق رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيما أخبر، وأن تمتثل أمره فيما أمر، وأن تجتنب ما عنه نهى وزجر، وأن لا تعبد الله إلا بما شرع، ومقتضى هذه الشهادة أيضًا أن لا تعتقد أن لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حقًا في الربوبية وتصريف الكون، أوحقًا في العبادة، بل هوـ صلى الله عليه وسلم ـ عبد لا يعبد ورسول لا يكذب، ولا يملك لنفسه ولا لغيره شيئًا من النفع أوالضر إلا ما شاء الله كما قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ‏}‏ ‏[‏سورة الأنعام، الآية‏:‏ 50‏]‏‏.‏

فهو عبد مأمور يتبع ما أمر به، وقال الله تعالى‏:‏ ‏{‏قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَدًا قُلْ إِنِّي لَن يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا‏}‏ ‏[‏سورة الجن، الآيتان‏:‏ 21-22‏]‏ وقال سبحانه‏:‏ ‏{‏قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاء اللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ‏}‏ ‏[‏سورة الأعراف، الآية‏:‏ 188‏]‏‏.‏

وبهذا تعلم أنه لا يستحق العبادة لا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولا من دونه من

ودليل الصلاة، والزكاة ‏[‏أي أن الصلاة والزكاة من الدين قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ‏}‏ ‏[‏سورة البينة، الآية‏:‏ 5‏]‏‏.‏‏.‏ وهذه الآية عامة شاملة لجميع أنواع العبادة فلا بد أن يكون الإنسان فيها مخلصاً لله عز وجل حنيفاً متبعاً لشريعته‏.‏‏]‏ ، وتفسير التوحيد قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ‏}‏ ‏[‏سورة البينة، الآية‏:‏ 5‏]‏‏.‏

المخلوقين، وأن العبادة ليست إلا لله تعالى وحده‏.‏ ‏{‏قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ‏}‏ ‏[‏سورة الأنعام، الآيتان‏:‏ 162-163‏]‏‏.‏ وأن حقه ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن تنزله المنزلة التي أنزله الله تعالى إياها وهو أنه عبد الله ورسوله، صلوات الله وسلامه عليه‏.‏

هذا من باب عطف الخاص على العام، لأن إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة‏.‏ من العبادة ولكنه سبحانه وتعالى نص عليهما لما لهما من الأهمية فالصلاة عبادة البدن، والزكاة عبادة المال وهما قرينتان في كتاب الله عز وجل‏.‏

أي عبادة الله مخلصين له الدين حنفاء، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة‏.‏

أي دين الملة القيمة التي لا إعوجاج فيها لأنها دين الله عز وجل ودين الله مستقيم كما قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ‏}‏ ‏[‏سورة الأنعام، الآية‏:‏ 153‏]‏‏.‏

وهذه الآية الكريمة كما تضمنت ذكر العبادة والصلاة فقد تضمنت حقيقة التوحيد وأنه الإخلاص لله عز وجل من غير ميل إلى الشرك، فمن

ودليل الصيام ‏[‏أي دليل وجوبه قوله تعالى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ‏}‏ وفي قوله‏:‏ ‏{‏كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ‏}‏ فوائد‏:‏

أولًا‏:‏ أهمية الصيام حيث فرضه الله عز وجل على الأمم من قبلنا وهذا يدل على محبة الله عز وجل له وأنه لازم لكل أمة‏.‏

ثانيًا‏:‏ التخفيف على هذه الأمة حيث إنها لم تكلف وحدها بالصيام الذي قد يكون فيه مشقة على النفوس والأبدان‏.‏

ثالثًا‏:‏ الإشارة إلى أن الله تعالى أكمل لهذه الأمة دينها حيث أكمل لها الفضائل التي سبقت لغيرها‏.‏‏]‏ قوله تعالى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ‏}‏ ‏[‏سورة البقرة الآية‏:‏ 183‏]‏ بين الله عز وجل في هذه الآية حكمة الصيام بقوله‏:‏ ‏{‏لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ‏}‏ أي تتقون الله بصيامكم وما يترتب عليه من خصال التقوى وقد أشار النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى هذه الفائدة بقوله‏:‏ ‏(‏من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه‏)‏ ودليل الحج ‏[‏أي دليل وجوبه قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ‏}‏ إلخ‏.‏‏]‏ قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ‏}‏ ‏[‏سورة آل عمران، الآية‏:‏ 97‏]‏‏.‏

لم يخلص لله لم يكن موحدًا، ومن جعل عبادته لغير الله لم يكن موحدًا‏.‏

وهذه الآية نزلت في السنة التاسعة من الهجرة وبها كانت فريضة الحج ولكن الله عز وجل قال‏.‏ ‏{‏مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً‏}‏ ففيه دليل على أن من لم يستطع فلا حج عليه‏.‏

في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ‏}‏ دليل على أن ترك الحج ممن استطاع إليه سبيلًا يكون كفرًا ولكنه كفر لا يخرج من الملة على قول جمهور العلماء لقول عبد الله بن شقيق‏:‏ ‏(‏كان أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لا يرون شيئًا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة‏)‏ ‏[‏أخرجه الترمذي ، كتاب الإيمان ، باب‏:‏ ما جاء فيمن ترك الصلاة‏.‏‏]‏‏.‏

المرتبة الثانية (1)‏:‏،الإيمان ‏(2)‏،وهو بضع ‏(3)‏‏.‏ وسبعون شعبة ‏[‏الشبعة‏:‏ الجزء من الشيء‏.‏‏]‏ ، فأعلاها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى ‏[‏أي إزالة الأذى وهوما يؤذي المارة من أحجار واشواك، ونفايات وقمامة وماله رائحة كريهة ونحوذلك‏.‏‏]‏ عن الطريق، والحياء (4)‏ شعبة من الأيمان،‏.‏ ‏.‏‏.‏ ‏.‏‏.‏ ‏.‏‏.‏ ‏.‏‏.‏ ‏.‏‏.‏ ‏.‏‏.‏ ‏.‏

وفي الشرع ‏(‏اعتقاد بالقلب وقول باللسان وعمل بالجوارح وهو بضع وسبعون شبعة‏)‏‏.‏

والجمع بين ما تضمنه كلام المؤلف رحمه الله تعالى من أن الإيمان بضع وسبعون شعبة وأن الإيمان أركانه ستة أن نقول‏:‏ الإيمان الذي هو العقيدة أصوله ستة وهي المذكورة في حديث جبريل عليه الصلاة والسلام حينما سأل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن الإيمان فقال‏:‏ ‏(‏الإيمان أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره‏)‏‏.‏

وأما الإيمان الذي يشمل الأعمال وأنواعها وأجناسها فهو بضع وسبعون شبعة ولهذا سمى الله تعالى الصلاة إيمانًا في قوله‏:‏ ‏{‏وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ‏}‏ ‏[‏سورة البقرة، الآية‏:‏ 143‏]‏ قال المفسرون يعني صلاتكم إلى بيت المقدس لأن الصحابة كانوا قبل أن يؤمروا بالتوجه إلى الكعبة يصلون إلى بيت المقدس‏.‏

الإيمان بالله يتضمن أربعة أمور

الأول‏:‏ الإيمان بوجود الله تعالى

وقد دل على وجوده تعالى‏:‏ الفطرة، والعقل، والشرع والحس‏.‏

1- أما دلالة الفطرة على وجوده‏:‏ فإن كل مخلوق قد فطر على الإيمان بخالقه من غير سبق تفكير أوتعليم، ولا ينصرف عن مقتضى هذه الفطرة إلا من طرأ على قلبه ما يصرفه عنها لقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ ‏(‏ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه‏)‏ ‏[‏أخرجه البخاري، كتاب الجنائز ، باب‏:‏ إذا أسلم الصبي فمات هل يصلى عليه‏.‏ ومسلم ، كتاب القدر، باب ‏:‏ ما من مولود يولد إلا على الفطرة‏.‏‏]‏‏.‏

2- وأما دلالة العقل على وجود الله تعالى‏:‏ فلأن هذه المخلوقات سابقها ولاحقها لابد لها من خالق أوجدها إذ لا يمكن أن توجد نفسها بنفسها، ولا يمكن أن توجد صدقة‏.‏

لا يمكن أن توجد نفسها بنفسها لأن الشيء لا يخلق نفسه، لأن قبل وجوده معدوم فكيف يكون خالقًا‏؟‏

ولا يمكن أن توجد صدفة، لأن كل حادث لابد له من محدث، ولأن وجودها على هذا النظام البديع، والتناسق المتآلف، والإرتباط الملتحم بين الأسباب ومسبباتها، وبين الكائنات بعضها مع بعض يمنع منعًا باتًا أن يكون وجودها صدفة، إذ الموجود صدفة ليس على نظام في أصل وجوده فكيف يكون منتظمًا حال بقائه وتطوره‏؟‏‏!‏

وإذا لم يمكن أن توجد هذه المخلوقات نفسها بنفسها، ولا أن توجد صدفة تعين أن يكون لها موجد وهو الله رب العالمين‏.‏

وقد ذكر الله تعالى هذا الدليل العقلي والبرهان القطعي في سورة الطور، حيث قال‏:‏ ‏{‏أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ‏}‏ ‏[‏سورة الطور، الآية‏:‏ 35‏]‏ يعني أنهم لم يخلقوا من غير خالق، ولا هم الذين خلقوا أنفسهم، فتعين أن يكون خالقهم هوالله تبارك وتعالى، ولهذا لما سمع - جبير بن مطعم - رضي الله عنه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقرأ سورة الطور فبلغ هذه الآيات‏:‏ ‏{‏أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بَل لاَّ يُوقِنُونَ أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ‏}‏ ‏[‏سورة الطور، الآيات‏:‏ 35-37‏]‏ وكان - جبير يؤمئذ مشركًا قال‏:‏ ‏(‏كاد قلبي أن يطير، وذلك أول ما وقر الإيمان في قلبي‏)‏ رواه - البخاري - مفرقًا ‏[‏البخاري، كتاب التفسير ، سورة الطور ‏.‏‏]‏‏.‏

ولنضرب مثلًا يوضح ذلك، فإنه لوحدثك شخص عن قصير مشيد، أحاطت به الحدائق، وجرت بينها الأنهار، وملئ بالفرش والأسرة، وزين‏.‏

بأنواع الزينة من مقوماته ومكملاته، وقال لك‏:‏ إن هذا القصر وما فيه من كمال قد أوجد نفسه، أووجد هكذا صدفة بدون موجد، لبادرت إلى إنكار ذلك وتكذيبه، وعددت حديثه سفها من القول، أفيجوز بعد ذلك أن يكون هذا الكون الواسع بأرضه وسمائه، وأفلاكه وأحواله، ونظامه البديع الباهر، قد أوجد نفسه، أووجد صدفة بدون موجد‏؟‏‏!‏

3-وأما دلالة الشرع على وجود الله تعالى‏:‏ فلأن الكتب السماوية كلها تنطق بذلك، وما جاءت به من الأحكام المتضمنة لمصالح الخلق دليل على أنها من رب حكيم عليم بمصالح خلقه، وما جاءت به من الأخبار الكونية التي شهد الواقع بصدقها دليل على أنها من رب قادر على إيجاد ما أخبر به‏.‏

4- وأما أدلة الحس على وجود الله فمن وجهين‏:‏

أحدهما‏:‏ أننا نسمع ونشاهد من إجابة الداعين، وغوث المكروبين، ما يدل دلالة قاطعة على وجوده تعالى، قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِن قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ‏}‏ ‏[‏سورة الأنبياء، الآية‏:‏ 76‏]‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ‏}‏ ‏[‏سورة الأنفال، الآية‏:‏ 9‏]‏ وفي صحيح البخاري عن - أنس بن مالك رضي الله عنه‏:‏ ‏(‏أن أعرابيًا دخل يوم الجمعة والنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يخطب، فقال‏:‏ ‏(‏يا رسول الله‏)‏، هلك المال، وجاع العيال، فادع الله لنا، فرفع يديه ودعا فثار السحاب أمثال الجبال فلم ينزل عن منبره حتى رأيت المطر يتحادر على لحيته‏.‏ وفي الجمعة الثانية قام ذلك الأعرابي أو غيره‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏يار سول الله‏)‏ تهدم البناء وغرق المال، فادع الله لنا، فرفع يديه وقال‏:‏ ‏(‏الله حوالينا ولا علينا‏)‏، فما يشير إلى ناحية إلا انفرجت‏)‏ ‏[‏أخرجه البخاري ، كتاب الجمعة ، باب‏:‏ رفع اليدين في الدعاء‏.‏ ومسلم ، كتاب الإستسقاء، باب‏:‏ الدعاء في الاستسقاء‏.‏‏]‏‏.‏

وما زالت إجابة الداعين أمرًا مشهودًا إلى يومنا هذا لمن صدق اللجوء إلى الله تعالى وأتى بشرائط الإجابة‏.‏

الوجه الثاني‏:‏ أن آيات الأنبياء التي تسمى ‏(‏المعجزات‏)‏ ويشاهدها الناس، أو يسمعون بها، برهان قاطع على وجود مرسلهم، وهو الله تعالى، لأنها أمور خارجة عن نطاق البشر، يجريها الله تعالى تأييدًا لرسله ونصرًا لهم‏.‏

مثال ذلك‏:‏ آية موسى ـ صلى الله عليه وسلم ـ حين أمره الله تعالى أن يضرب بعصاه البحر، فضربه فانفلق أثنى عشر طريقًا يابسًا، والماء بينها كالجبال، قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ‏}‏ ‏[‏سورة الشعراء، الآية‏:‏ 63‏]‏‏.‏

ومثال ثان‏:‏ آية عيسى ـ صلى الله عليه وسلم ـ حيث كان يحيى الموتى، ويخرجهم من قبورهم بإذن الله، قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ‏}‏ ‏[‏سورة آل عمران، الآية‏:‏ 49‏]‏ وقال‏:‏ ‏{‏وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوتَى بِإِذْنِي‏}‏ ‏[‏سورة المائدة، الآية‏:‏ 110‏]‏‏.‏

ومثال ثالث‏:‏ لمحمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ حين طلبت منه قريش آية، فاشار إلى القمر فأنفلق فرقتين فرآه الناس، وفي ذلك قوله تعالى‏:‏ ‏{‏اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ وَإِن يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ‏}‏ ‏[‏سورة القمر، الآيتان‏:‏ 1-2‏]‏‏.‏ فهذه الآيات المحسوسة التي يجريها الله تعالى تأييدًا لرسله، ونصرًا لهم، تدل دلالة قطعية على وجوده تعالى‏.‏

الثاني‏:‏ الإيمان بربوبيته

أي بأنه وحده الرب لا شريك له ولا معين‏.‏

والرب‏:‏ من له الخلق والملك، والأمر، فلا خالق إلا الله، ولا مالك إلا هو، ولا أمر إلا له، قال تعالى‏:‏ ‏{‏أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ‏}‏ ‏[‏سورة الأعراف، الآية‏:‏ 54‏]‏ وقال‏:‏ ‏{‏ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ‏}‏ ‏[‏سورة فاطر، الآية‏:‏ 13‏]‏‏.‏

ولم يعلم أن أحدًا من الخلق أنكر ربوبية الله سبحانه، إلا أن يكون مكابرًا غير معتقد بما يقول، كما حصل من - فرعون - حين قال لقومه‏:‏ ‏{‏أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى‏}‏ ‏[‏سورة النازعات، الآية‏:‏ 24‏]‏ وقال‏:‏ ‏{‏وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلأ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي‏}‏ ‏[‏سورة القصص، الآية‏:‏ 38‏]‏ لكن ذلك ليس عن عقيدة، قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا‏}‏ ‏[‏سورة النمل، الآية‏:‏ 14‏]‏ وقال موسى لفرعون فيما حكى الله عنه‏:‏ ‏{‏لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَؤُلاء إِلاَّ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَآئِرَ وَإِنِّي لأَظُنُّكَ يَا فِرْعَونُ مَثْبُورًا‏}‏ ‏[‏سورة الإسراء، الآية‏:‏ 102‏]‏‏.‏

ولهذا كان المشركون يقرون بربوبية الله تعالى، مع إشراكهم به في الألوهية، قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏قُل لِّمَنِ الأَرْضُ وَمَن فِيهَا إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ قُل لِّمَنِ الأَرْضُ وَمَن فِيهَا إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ‏}‏

‏[‏سورة المؤمنون، الآيات‏:‏ 84-89‏]‏‏.‏

وقال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ‏}‏ ‏[‏سورة الزخرف، الآية‏:‏ 9‏]‏ وقال‏:‏ ‏{‏وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ‏}‏ ‏[‏سورة الزخرف، الآية‏:‏ 87‏]‏‏.‏

وأمر الرب سبحانه شامل للأمر الكوني والشرعي فكما أنه مدبر الكون القاضي فيه بما يريد حسب ما تقتضيه حكمته، فهوكذلك الحاكم فيه بشرع العبادت وأحكام المعاملات حسبما تقتضيه حكمته، فمن اتخذ مع الله تعالى مشرعًا في العبادات أو حاكمًا في المعاملات فقد أشرك به ولم يحقق الإيمان‏.‏

الثالث‏:‏ الإيمان بألوهيته

أي ‏(‏بأنه وحده الإله الحق لا شريك له‏)‏ و‏"‏الإله‏"‏ بمعنى المألوه‏"‏ أي ‏"‏المعبود حيًا وتعظيمًا، وقال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ‏}‏ ‏[‏سورة البقرة، الآية‏:‏ 163‏]‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ‏}‏ ‏[‏سورة آل عمران، الآية‏:‏ 18‏]‏‏.‏ وكل ما اتخذ إلها مع الله يعبد من دونه فألوهيته باطلة، قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ‏}‏ ‏[‏الحج‏:‏ 62‏]‏

‏[‏سورة الحج، الآية‏:‏ 62‏]‏ وتسميتها آلهة لا يعطيها حق الألوهية قال الله تعالى في اللات والعزى ومناة‏)‏‏:‏ ‏{‏إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنفُسُ وَلَقَدْ جَاءهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَى‏}‏ ‏[‏سورة النجم، الآية‏:‏ 23‏]‏ وقال عن هود أنه قال لقومه‏:‏ ‏{‏أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤكُم مَّا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ فَانتَظِرُواْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ‏}‏ ‏[‏سورة الأعراف، الآية‏:‏ 71‏]‏ وقال عن يوسف أنه قال لصاحبي السجن‏:‏ ‏{‏يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ‏}‏ ‏[‏سورة يوسف، الآيتان‏:‏ 39-40‏]‏ ولهذا كانت الرسل عليهم الصلاة والسلام يقولون لأقوامهم‏:‏ ‏{‏اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ‏}‏ ولكن أبى ذلك المشركون، واتخذوا من دون الله آلهة، يعبدونهم مع الله سبحانه وتعالى، ويستنصرون بهم، ويستغيثون‏.‏

وقد أبطل الله تعالى اتخاذ المشركين هذه الآلهة ببرهانين عقليين‏:‏

الأول‏:‏ أنه ليس في هذه الآلهة التي أتخذوها شيء من خصائص الألوهية، فهي مخلوقة لا تخلق، ولا تجلب نفعًا لعابديها، ولا تدفع عنهم ضررًا، ولا تملك لهم حياة ولا موتًا، ولا يملكون شيئًا من السماوات ولا يشاركون فيه‏.‏

قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وَاتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً لاَّ يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لأَنفُسِهِمْ ضَرًّا وَلا نَفْعًا وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلا حَيَاةً وَلا نُشُورًا‏}‏ ‏[‏سورة الفرقان، الآية‏:‏ 3‏]‏‏.‏

وقال تعالى‏:‏ ‏{‏قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ

ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُم مِّن ظَهِيرٍ وَلا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ‏}‏ ‏[‏سورة سبأ، الآيتان‏:‏ 22-23‏]‏‏.‏

وقال‏:‏ ‏{‏أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلاَ أَنفُسَهُمْ يَنصُرُونَ‏}‏ ‏[‏سورة الأعراف، الآيتان‏:‏ 191-192‏]‏‏.‏

وإذا كانت هذه حال تلك الآلهة، فإن اتخاذها آلهة من أسفه السفه، وأبطل الباطل‏.‏

الثاني‏:‏ أن هؤلاء المشركين كانوا يقرون بأن الله تعالى وحده الرب الخالق الذي بيده ملكوت كل شيء، وهو يجير ولا يجار عليه، وهذا يستلزم أن يوحوده بالألوهية كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاء وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ‏}‏ ‏[‏سورة البقرة، الآيتان‏:‏ 21-22‏]‏ وقال‏:‏ ‏{‏وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ‏}‏ ‏[‏سورة الزخرف، الآية‏:‏ 87‏]‏ وقال‏:‏ ‏{‏قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ‏}‏ ‏[‏سورة يونس، الآيتان‏:‏ 31-32‏]‏‏.‏

الرابع‏:‏ الإيمان بأسمائه وصفاته

أي ‏(‏ما أثبته الله لنفسه في كتابه، أوسنة رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من الأسماء

والصفات على الوجه اللائق به من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل، قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ‏}‏ ‏[‏سورة الأعراف، الآية‏:‏ 180‏]‏ وقال‏:‏ ‏{‏وَلَهُ الْمَثَلُ الأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ‏}‏ ‏[‏سورة الروم، الآية‏:‏ 27‏]‏ وقال‏:‏ ‏{‏لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ‏}‏ ‏[‏سورة الشورى، الآية‏:‏ 11‏]‏‏.‏

وقد ضل في هذا الأمر طائفتان‏:‏

إحداهما‏:‏ ‏(‏المعطلة‏)‏ الذين أنكروا الأسماء، والصفات، أوبعضها، زاعمين أن إثباتها يستلزم التشبيه، أي تشبيه الله تعالى بخلقه، وهذا الزعم باطل لوجوه منها‏:‏

الأول‏:‏ أنه يستلزم لوازم باطلة كالتناقض في كلام الله سبحانه، وذلك أن الله تعالى أثبت لنفسه الأسماء والصفات، ونفى أن يكون كمثله شيء، ولو كان إثباتها يستلزم التشبيه لزم التناقض في كلام الله، وتكذيب بعضه بعضًا‏.‏

الثاني‏:‏ أنه لا يلزم من أتفاق الشيئين في أسم أوصفة أن يكونا متماثلين، فأنت ترى الشخصين يتفقان في أن كلًا منهما إنسان سميع، بصير، متكلم، ولا يلزم من ذلك أن يتماثلا في المعاني الإنسانية، والسمع والبصر، والكلام، وترى الحيوانات لها أيد وأرجل، وأعين ولا يلزم من اتفاقها هذا أن تكون أيديها وأرجلها، وأعينها متماثلة‏.‏

فإذا ظهر التباين بين المخلوقات فيما تتفق فيه من أسماء، أوصفات، فالتباين بين الخالق والمخلوق أبين وأعظم‏.‏

الطائفة الثانية‏:‏ ‏(‏المشبهة‏)‏ الذين أثبتوا الأسماء والصفات مع تشبيه الله تعالى بخلقه زاعمين أن هذا مقتضى دلالة النصوص، لأن الله تعالى يخاطب العباد يفهمون وهذا الزعم باطل لوجوه منها‏:‏

الأول‏:‏ أن مشابهة الله تعالى لخلقه أمر باطل ببطله العقل، والشرع، ولا يمكن أن يكون مقتضى نصوص الكتاب والسنة أمرًا باطلًا‏.‏

الثاني‏:‏ أن الله تعالى خاطب العباد بما يفهمون من حيث أصل المعنى، أما الحقيقة والكنه الذي عليه ذلك المعنى فهو مما استأثر الله تعالى بعلمه فيما يتعلق بذاته، وصفاته‏.‏

فإذا أثبت الله لنفسه أنه سميع، فإن السمع معلوم من حيث أصل المعنى ‏(5) لكن حقيقة ذلك بالنسبة إلى سمع الله تعالى غير معلومة، لأن حقيقة السمع تتباين حتى في المخلوقات، فالتباين فيها بين الخالق والمخلوق، أبين وأعظم‏.‏

وإذا أخبر الله تعالى عن نفسه أنه أستوى على عرشه فإن الاستواء من حيث أصل المعنى معلوم، لكن حقيقة الاستواء التي هوعليه غير معلومة بالنسبة إلى استواء الله على عرشه فإن الاستواء تتباين في حق المخلوق، فليس الاستواء على كرسي مستقر كالاستواء على رحل بعير صعب نفور، فإذا تباينت في حق المخلوق، فالتباين فيها بين الخالق والمخلوق أبين وأعظم‏.‏

وملائكته ‏[‏الملائكة‏:‏ عالم غيبي مخلوقون، عابدون لله تعالى، وليس لهم من خصائص الربوبية والألوهية شيء، خلقهم الله تعالى من نور، ومنحهم الأنقياد التام لأمره، والقوة على تنفيذه‏.‏ قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَنْ عِندَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ‏}‏ ‏[‏سورة الأنبياء، الآيتان‏:‏ 19-20‏]‏‏.‏ وهم عدد كثير لا يحصيهم إلا الله تعالى، وقد ثبت في الصحيحين من حديث أنس رضي الله عنه في قصة المعراج أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ رفع له البيت المعمور في السماء يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك إذا خرجوا لم يعودا إليه آخر ما عليهم‏.‏ (6)

والإيمان بالملائكة يتضمن أربعة أمور

الأول‏:‏ الإيمان بوجودهم

الثاني‏:‏ الإيمان بمن علمنا اسمه منهم باسمه ‏(‏كجبريل‏)‏ ومن لم نعلم اسمه نؤمن بهم إجمالًا

الثالث‏:‏ الإيمان بما علمنا من صفاتهم

كصفة ‏(‏جبريل‏)‏ فقد أخبر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه رآه على صفته التي خلق عليها وله ستمائة جناح قد سد الأفق‏.‏ ‏[‏البخاري ، كتاب بدء الخلق، 3232-3233‏]‏ وقد يتحول الملك بأمر الله تعالى إلى هيئة رجل، كما حصل ‏(‏لجبريل‏)‏ حين أرسله تعالى إلى-مريم-فتمثل لها بشرًا سويًا، وحين جاء إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو جالس في أصحابه جاءه بصفة لا يرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه أحد من الصحابة، فجلس إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه، وسأل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن الإسلام، والإيمان والإحسان، والساعة، وأماراتها، فأجابه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فانطلق‏.‏ ثم قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ ‏(‏هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم‏)‏‏.‏ رواه مسلم‏.‏

وكذلك الملائكة الذين أرسلهم الله تعالى إلى إبراهيم، ولوط كانوا في صورة رجال‏.‏

الرابع‏:‏ الإيمان بما علمنا من أعمالهم

التي يقومون بها بأمر الله تعالى، كتسبيحه، والتعبد له ليلًا ونهارًا بدون ملل ولا فتور‏.‏

وقد يكون لبعضهم أعمال خاصة‏.‏

مثل‏:‏ جبريل الأمين على وحي الله تعالى يرسله به إلى الأنبياء والرسل‏.‏

ومثل‏:‏ ميكائيل الموكل بالقطر أي بالمطر والنبات‏.‏

ومثل‏:‏ إسرافيل الموكل بالنفخ في الصور عند قيام الساعة وبعث الخلق‏.‏

ومثل‏:‏ ملك الموت الموكل بقبض الأرواح عند الموت‏.‏

ومثل‏:‏ مالك الروح بالنار وهو خازن النار‏.‏

ومثل‏:‏ الملائكة الموكلين بالأجنة في الأرحام إذا تم للإنسان أربعة أشهر في بطن امه، بعث الله إليه ملكًا وأمره بكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أم سعيد‏.‏

ومثل‏:‏ الملائكة الموكلين بحفظ أعمال بني آدم وكتابتها لكل شخص، ملكان‏:‏ أحدهما عن اليمين، والثاني عن الشمال‏.‏

ومثل‏:‏ الملائكة الموكلين بسؤال إذا وضع في قبره يأتيه ملكان يسألانه عن ربه، ودينه، ونبيه‏.‏

والإيمان بالملائكة يثمر ثمرات جليلة منها‏:‏

الأولى‏:‏ العلم بعظمة الله تعالى، وقوته، وسلطانه، فإن عظمة المخلوق من عظمة الخالق‏.‏

الثانية‏:‏ شكر الله تعالى على عنايته ببني آدم، حيث وكل من هؤلاء الملائكة من يقوم بحفظهم، وكتابة أعمالهم، وغير ذلك من مصالحهم‏.‏

الثالثة‏:‏ محبة الملائكة على ما قاموا به من عبادة الله تعالى‏.‏